للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ثمّ يقوى هذا القلقُ ويتزايد حتّى يُورث القلبَ حالةً شبيهةً بشدّة ظمإ الصَّادي الحرَّان إلى الماء، وهذه الحالة هي التي يُسمِّيها صاحب «المنازل» (١) العطش، واستشهد عليه بقوله تعالى عن الخليل: {(٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦]. كأنّه أخذ من إشارة الآية: أنّه لشدّة عطَشِه إلى لقاء محبوبه لمّا رأى الكوكبَ قال: هذا ربِّي، فإنّ العطشان إذا رأى السَّراب ذكَّره الماء، فاشتدَّ عطشُه إليه.

وهذا ليس معنى الآية قطعًا، وإنّما القوم مُولَعون بالتعلُّق بالإشارات. وإلّا فالآية قد قيل (٢): إنّها على تقدير الاستفهام، أي أهذا ربِّي؟ وليس بشيءٍ.

وقيل: إنّها على وجه إقامة الحجّة على قومه، فتصوَّرَ بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول، ثمّ توسَّلَ بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنّه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصًا آفلًا، فإنّ المعبود الحقّ لا يجوز أن يَغيب عن عابديه وخَلْقِه ويأفِل عنهم، فإنّ ذلك مُنافٍ لربوبيّته لهم. أو أنّه انتقل في مراتب الاستدلال على المعبود حتّى أوصلَه الدّليلُ إلى الذي فطر السّماوات والأرض، فوجَّه إليه وجهَه حنيفًا موحِّدًا، مُقبِلًا عليه، مُعرِضًا عمّا سواه.


(١) (ص ٧٥).
(٢) انظر هذا القول وأقوالًا أخرى في تفسير الآية في «تفسير البغوي» (٢/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>