للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبك دليلٌ على صدق الطلب. وقال آخر: لا تستوحش في طريق الحق من قلَّة السّالكين، ولا تغتَرَّ في الباطل بكثرة الهالكين.

وأمّا (الفتنة التي تقطع عليه الطريق)، فهي الواردات التي ترد على القلوب، تمنعها من مطالعة الحقِّ وقصده. فإذا تمكَّن من منزل الإخبات وصحَّة الإرادة والطلب لم يطمع فيه عارض الفتنة.

وهذه العزائم لا تصحُّ إلّا لمن أشرقت على قلبه أنوار آثار الأسماء والصِّفات، وتجلَّت عليه معانيها، وكافَحَ قلبُه حقيقة اليقين بها.

وقد قيل: من أخذ العلم من عين العلم ثبت، ومَن أخذه من جَرَيانه أخذَتْه أمواجُ الشُّبه ومالت به العبارات واختلفت عليه الأقوال.

قال (١): (الدرجة الثالثة: أن يستوي عنده المدح والذمُّ، وتدوم لائمته لنفسه، ويعمى عن نقصان الخلق عن درجته).

متى (٢) استقرَّت قدمُ العبد في منزلة الإخبات وتمكَّن فيها ارتفعت همَّته وعَلَتْ نفسه عن خطفات (٣) المدح والذّمِّ، فلا يفرح بمدح الناس ولا يحزن لذمِّهم. هذا وصف من خرج عن حظِّ نفسه وتأهَّل للفناء في عبوديَّة ربِّه، وصار قلبه مَطْرحًا لأشعَّة أنوار الأسماء والصِّفات، وباشر حلاوةُ الإيمان واليقين قلبه.

والوقوف عند مدح الناس وذمِّهم علامة انقطاع القلب وخلوِّه من الله


(١) «المنازل» (ص ٢٣).
(٢) ع: «اعلم أنَّه متى».
(٣) م، ش: «خطبات».

<<  <  ج: ص:  >  >>