للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به. وله متعلَّقان، أحدهما: نفس المكروه المحذورِ وقوعُه، والثاني: السبب والطريق المفضي إليه؛ فعلى قدر شعوره بإفضاء السبب إلى المَخُوف وبقدر المخوف يكون خوفُه. وما نقص من شعوره بأحد هذين نقص من خوفه بحسبه، فمن لم يعتقد أن سبب كذا يفضي إلى محذور كذا لم يخَفْ من ذلك السبب، ومن اعتقد أنَّه يفضي إلى مكروهٍ ما ولم يعرف قدرَه لم يخَفْ منه ذلك الخوف، فإذا عرف قدر المَخُوف وتيقَّن إفضاءَ السبب حصل له الخوف. هذا معنى تولُّده من تصديق الوعيد وذِكر الجناية ومراقبة العاقبة.

وفي مراقبة العاقبة زيادةُ استحضار المخوف وجعلُه نُصْبَ عينه بحيث لا ينساه، فإنَّه وإن كان عالمًا به لكنَّ نسيانَه وعدمَ مراقبته يحول بين القلب (١) وبين الخوف، فلذلك كان الخوف علامة صحَّة الإيمان، وترحُّلُه من القلب علامة ترحُّل الإيمان منه.

فصل

قال (٢): (الدرجة الثانية: خوف المكر في جريان الأنفاس المستغرقة في اليقظة المشوبةِ بالحلاوة).

يريد أنّ من حصلت له اليقظة بلا غفلةٍ، واستغرقت أنفاسه فيها، واستحلى ذلك فإنَّه لا أحلى من الحضور في اليقظة= فإنَّه ينبغي أن يخاف المكر وأن يُسلَب هذا الحضور واليقظة والحلاوة، فكم من مغبوطٍ بحاله انعكس عليه الحال، ورجع من حسن المعاملة إلى قبيح الأعمال، فأصبح


(١) في النسخ عدا الأصل، ش، ع زيادة: «منه».
(٢) «منازل السائرين» (ص ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>