للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه ثلاثة أمورٍ اشتملت عليها هذه الدّرجة.

فأمّا عدم تعلُّقه في السّير بدليلٍ: فقد بيَّن مراده به في آخر الباب، إذ يقول (١): (وفي علم الخصوص: من طلبَ نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم يحلّ له دعوى الفتوّة أبدًا).

وهذا موضعٌ عظيمٌ يحتاج إلى تبيينٍ وتقريرٍ.

والمراد: أنّ السّائر إلى الله يسير على قَدَم اليقين، وطريق البصيرة والمشاهدة. فوقوفُه مع دليلٍ دليلٌ على أنّه لم يَشُمَّ رائحةَ اليقين. والمراد بهذا: أنّ المعرفة عندهم ضروريّةٌ لا استدلاليّةٌ. وهذا هو الصّواب. ولهذا لم تَدْعُ (٢) الرُّسل قطُّ الأممَ إلى الإقرار بالصّانع سبحانه، وإنّما دَعَوهم إلى عبادته وتوحيده، وخاطبوهم خطابَ من لا شبهةَ عنده قطُّ في الإقرار بالله تعالى، ولا هو محتاجٌ إلى الاستدلال عليه (٣). ولهذا قالت لهم رسلهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: ١٠].

وكيف يصحُّ الاستدلال على مدلولٍ هو أظهرُ من دليله؟ حتّى قال بعضهم: كيف أطلب الدّليل على من هو دليلٌ على كلِّ شيءٍ؟ فتقيُّدُ السّائرِ بالدّليل وتوقُّفُه عليه دليلٌ على عدم يقينه، بل إنّما يتقيّد بالدّليل الموصِل له إلى المطلوب بعد معرفته به، فإنّه يحتاج بعد معرفته به إلى دليلٍ يُوصِله (٤)


(١) المصدر نفسه (ص ٤٨).
(٢) ش، د: «تدعو».
(٣) «عليه» ليست في ش، د.
(٤) د: «يوصل».

<<  <  ج: ص:  >  >>