للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى هذا: أنّك تُنزل نفسَك منزلةَ الجاني لا المَجْنيِّ عليه، والجاني خليقٌ بالعذر.

والّذي يُشهِدك هذا المشهد: أن تعلم أنّه إنّما سلِّط عليك بذنبٍ، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠].

فإذا علمتَ أنّك بدأتَ بالجناية فانتقم الله منك على يده= كنت في الحقيقة أولى بالاعتذار.

والّذي يُهوِّن عليك هذا كلّه: مشاهدة تلك المشاهد العشرة المتقدِّمة، فعليك بها، فإنّ فيها كنوزَ المعرفة والبرِّ.

وقوله: (سماحةً لا كظمًا، وتوادًّا (١) لا مصابرةً).

يعني: اجعلْ هذه المعاملة منك صادرةً عن سماحٍ، وطِيبةِ نفسٍ، وانشراح صدرٍ، لا عن كظمٍ وضيقٍ ومصابرةٍ، فإنّ ذلك دليلٌ على أنّ هذا ليس في خلقك، وإنّما هو تكلُّفٌ يُوشِك أن يزول ويظهر حكم الخلق فتفتضح، وليس المقصود إلّا إصلاح الباطن والسِّرِّ والقلب.

وهذا الذي قاله الشّيخ لا يمكن إلّا بعد العُبور على جِسر المصابرة والكظم، فحينئذٍ إذا تمكّن فيه أفضى به إلى هذه المنزلة بعون الله.

فصل

قال (٢): (الدّرجة الثّالثة: أن لا تتعلَّق في السَّير بدليلٍ، ولا تشوبَ إجابتَك بعِوَضٍ، ولا تقفَ في شهودِك على رسمٍ).


(١) الذي سبق (ص ٩٤): «وموادَّة».
(٢) «المنازل» (ص ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>