للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، الفناء المحمود ــ وهو تحقيق مقام الإحسان ــ أن (١) يفنى بحبِّه وخوفه ورجائه والتّوكُّل عليه وعبادته والتّبتُّل إليه عن غيره. وليس فوق ذلك مقام يُطلب إلا ما هو من عوارض الطريق.

قوله: (وتصون السالك عن وهن الفترة)، أي تحفظه عن ضعف فتوره وكسله الذي سببُه عدمُ الرغبة أو قلَّتها.

وقوله: (وتمنع صاحبها من الرُّجوع إلى غثاثة الرُّخص)، أهل العزائم بناءُ (٢) أمرهم على الجدِّ والصِّدق، والسُّكونُ منهم إلى الرُّخص رجوع وبطالة.

وهذا موضعٌ يحتاج إلى تفصيلٍ، ليس على إطلاقه، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يؤخذ برخصه كما يحبُّ أن يؤخذ بعزائمه. وفي «المسند» مرفوعًا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله يحبُّ أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» (٣)، فجعل الأخذ بالرُّخص قُبالةَ إتيان المعاصي، وجعل حظَّ هذا: المحبَّةَ، وحظَّ هذا: الكراهية.

وما عَرَض للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أمران إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (٤)، والرُّخصة أيسر من العزيمة. وهكذا كانت حاله في فطره في سفره، وجمعه بين الصلاتين، والاقتصار من الرُّباعية على شطرها، وغير ذلك. فنقول: الرُّخصة


(١) السياق في ع: «الفناء المحمود هو تحقيق مقام الإحسان، وهو أن».
(٢) ع: «بَنَوا».
(٣) حديث حسن سبق تخريجه (١/ ٣٩٥).
(٤) كما في حديث عائشة عند البخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>