مثل المذكّاة، لا فرق بينهما، وقالوا: الحلال والحرام شيءٌ واحدٌ. فهذا جمعُهم وذاك فرقهم.
فصل
فهذا فرقٌ يتعلَّق بالأعمال.
وأمّا الفرق الإيمانيُّ الذي يتعلّق بمسائل القضاء والقدر، فهو التَّمييزُ الإيمانيُّ بين فعل الحقِّ سبحانه وأفعال العباد. فيؤمن بأنَّ الله وحده خالقُ كلِّ شيءٍ، وليس في الكون إلّا ما هو واقعٌ بمشيئته وقدرته وخلقه؛ ومع ذلك يؤمن بأنَّ العبدَ فاعلٌ لأفعاله حقيقةً، وهي صادرةٌ عن قدرته ومشيئته قائمةٌ به، وهو فاعلٌ لها على الحقيقة. فيشهد تفرُّدَ الرَّبِّ بالخلق والتّقدير، ووقوعَ أفعالِ العباد منهم بقدرتهم ومشيئتهم، والله خالقُ ذلك كلِّه.
وهنا انقسم أصحابُ هذا الفرق ثلاثة أقسامٍ: قسمٌ غابوا بأفعالهم وحركاتهم عن فعل الرَّبِّ تعالى وقضائه، مع إيمانهم به. وقسمٌ غابوا بفعل الرَّبِّ وتفرُّده بالحكم والمشيئة عن أفعالهم وحركاتهم. وقسمٌ أعطَوا المراتَب حقَّها، فآمنوا بفعل الرَّبِّ وقدره ومشيئته وتفرُّده بالحكم والقضاء، وشهدوا وقوعَ الأفعال من فاعليها، واستحقاقَهم عليها المدحَ والذَّمَّ والثَّوابَ والعقابَ.
فالفريق الأوّل: يغلب عليهم الفرق الطَّبعيُّ، إذ لم يصعدوا إلى مشاهدة الحكم.
والفريق الثّاني: يغلب عليهم حالُ الجمع، وهو شهودُ قدَر الرَّبِّ تعالى ومشيئته وتدبيره لخلقه، فتجتمع قلوبهم على شهود أفعاله بعد أن كانت