للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعياءٌ، قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠]. وكذا الأرواح إذا تخلَّصتْ من هذه الأبدان وتجرّدتْ صارتْ لها حياةٌ أخرى أكملُ من هذه إن كانت سعيدةً، وإن كانت شقيّةً كانت عاملةً ناصبةً في العذاب.

فصل

المرتبة الخامسة: الحياة التي أشار إليها المصنِّف، وهي حياة العلم من موت الجهل، فإنّ الجهل موتٌ لأصحابه، كما قيل (١):

وفي الجهل قبلَ الموت موتٌ لأهله ... وأجسامُهم قبلَ القبورِ قبورُ

وأرواحُهم في وحشةٍ من جُسومِهم ... وليس لهم حتّى النُّشور نُشورُ

فالجاهل ميِّت القلب والرُّوح وإن كان حيَّ البدن، فجسدُه قبرٌ يمشي به (٢) على وجه الأرض، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢]، وقال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: ٦٩ - ٧٠]، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل: ٨٠]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢]. شَبَّههم في موت قلوبهم بأهل القبور، فإنّهم قد ماتت أرواحهم، وصارت أجسامهم (٣) قبورًا لها، فكما لا يسمع أصحاب القبور لا


(١) تقدَّم البيتان في الكتاب (٣/ ٢١٧).
(٢) «به» ليست في ش، ت.
(٣) ت: «أجسادهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>