للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّفة، وتعبُّدًا بمقتضاها. وذلك أكملُ في العبوديّة والمعرفة والمحبّة (١).

ومنها: أن يكمِّل لعبده مراتبَ الذُّلِّ والخضوع والانكسار بين يديه، والافتقار إليه، فإنَّ النَّفسَ فيها مضاهاةُ الرُّبوبيَّة، ولو قدرَتْ لقالت كقول فرعون، ولكنَّه قدَر فأظهرَ، وغيرُه عجَز فأضمَر. وإنّما يُخلِّصها من هذه المضاهاة ذلُّ العبوديّة، وهو (٢) أربع مراتب:

المرتبة الأولى مشتركةٌ بين الخلق، وهي: ذلُّ الحاجة والفقر إلى الله تعالى. فأهلُ السَّماوات والأرض محتاجون إليه فقراءُ إليه، وهو وحده الغنيُّ. وكلُّ أهل السّماوات والأرض يسألونه، وهو لا يسأل أحدًا.

المرتبة الثّانية: ذلُّ الطّاعة والعبوديّة، وهو ذلُّ الاختيار، وهذا خاصٌّ بأهل طاعته، وهو سرُّ العبوديّة.

المرتبة الثّالثة: ذلُّ المحبَّة، فإنَّ المحبَّ ذليلٌ بالذّات لمحبوبه، وعلى قدر محبّته له يكون ذلُّه له، فالمحبّةُ أسِّست على الذِّلّة للمحبوب، كما قيل:

اخضَعْ وذِلَّ لمن تحبُّ فليس في ... حُكمِ الهوى أنفٌ يُشالُ ويُعقَدُ (٣)

وقال آخر:


(١) ع: "المحبة والمعرفة".
(٢) ج: "وهي".
(٣) البيت لأبي تراب هبة الله ابن السريجي في "بدائع البدائه" (ص ١٧). وقد أنشده المؤلف في "طريق الهجرتين" (٢/ ٦٣٧)، و"روضة المحبين" (ص ٢٧٢، ٣٩٥)، و"مفتاح دار السعادة" (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>