فالأوّل كان سيرًا إليه، وهذا سيرٌ في محابِّه ومراضيه. فهذا أقربُ ما يقال في كلام الشّيخ وأمثاله في ذلك.
وبعد، فالعبد وإن لاحظ عينَ الجمع ولم يَغِبْ عنها، فهو سائرٌ إلى الله، ولا ينقطع سيرُه إليه ما دام في قيد الحياة. ولا يصل العبد ما دام حيًّا إلى الله وصولًا يستغني به عن المسير (١) إليه البتّة، وهذا عين المحال. بل يشتدُّ سيره إلى الله كلّما زادت ملاحظته لتوحيده وأسمائه وصفاته. ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم الخلق اجتهادًا، وقيامًا بالأعمال، ومحافظةً عليها، إلى أن توفّاه وهو أعظم ما كان اجتهادًا وقيامًا بوظائف العبوديّة. فلو أتى العبد بأعمال الثَّقلَين جميعها لم تفارِقه حقيقة السّير إلى الله، وكان بعدُ في طريق الطّلب والإرادة.
وتقسيم السّائرين إلى الله إلى طالبٍ وسائرٍ وواصلٍ، أو إلى مريدٍ ومرادٍ= تقسيمٌ فيه مساهلةٌ لا تقسيمٌ حقيقيٌّ، فإنّ الطّلب والسُّلوك والإرادة لو فارق العبدَ انقطع عن الله بالكلِّيّة. ولكنّ هذا التّقسيم باعتبار تنقُّل العبد في أحوال سيره، وإلّا فإرادة العبدِ المرادَ وطلبُه وسيرُه أشدُّ من إرادةِ غيره وطلبِه وسيرِه.
وأيضًا فإنّه مرادٌ أوّلًا، حيث أُقيم مقامَ الطّلب، وجُذِب إلى السّير. فكلُّ مريدٍ مرادٌ، وكلُّ واصلٍ سالكٌ وطالبٌ لا يفارقه طلبه ولا سيره، وإن تنوّعتْ طرقُ السّير بحسب اختلاف حال العبد.
فمن السّالكين: من يكون سيره ببدنه وجوارحه أغلبَ عليه من سيره