للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي التسليم أيضًا فائدة لطيفة، وهي أنَّه إذا سلَّمها لله فقد أودعها عنده، وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه، حيث لا تناله يدُ عادٍ ولا بغيُ باغ (١).

والذي يحسم مادَّة المبالاة بالناس شهودُ الحقيقة، وهو رؤية الأشياء كلِّها من الله، وبالله، وفي قبضته، وتحت قهره وسلطانه، لا يتحرَّك منها شيء إلا بحوله وقوَّته، ولا ينفع ولا يضرُّ إلَّا بإذنه ومشيئته؛ فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشُّهود؟

قال (٢): (الدرجة الثانية: تجريد الانقطاع عن التعريج على النفس بمجانبة الهوى، وتنسُّم رَوح الأنس، وشَيم برق الكشف).

الفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها: أنَّ الأُولى انقطاع عن الخلق، وهذه انقطاع عن النفس. وجعله بثلاثة أشياء:

أولاها (٣): مجانبة الهوى ومخالفتُه ونهيُ النفس (٤) عنه، لأن اتِّباعه يصدُّ عن التبتُّل.

وثانيها وهو بعد مخالفة الهوى: تنسُّم رَوح الأنس، والرَّوح للرُّوح كالرُّوح للبدن، فهو رَوحها وراحتها. وإنّما حصل له هذا الرَّوح لمَّا أعرض عن هواه، فحينئذٍ تنسَّم رَوح الأنس بالله ووجد رائحته، إذ النفس لا بدَّ لها


(١) في ع زيادة: «عاتٍ».
(٢) «المنازل» (ص ٢٥).
(٣) كذا في النسخ، على تأويل الأشياء بالخصال أو الصفات.
(٤) ع: «نفسه».

<<  <  ج: ص:  >  >>