للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عطاءٍ - رحمه الله -: الرِّضا سكون القلب إلى قديم (١) اختيار الله للعبد أنَّه اختار له الأفضل، فيرضى به (٢). قلت: وهذا الرضا بما منه، وأمَّا الرِّضا به فأعلى من هذا وأفضل، ففرقٌ بين من هو راضٍ بمحبوبه، وبين رضاه فيما يناله (٣) من محبوبه من حظوظ نفسه.

فصل

وليس من شرط الرِّضا أن لا يحسَّ بالألم والمكاره، بل أن (٤) لا يعترض على الحكم ولا يتسخَّطه. ولهذا أشكل على بعض الناس الرِّضا بالمكروه، وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنعٌ على الطبيعة، وإنما هو الصبر، وإلَّا فكيف يجتمع الرِّضا والكراهة وهما ضدَّان؟

والصواب: أنَّه لا تناقض بينهما، وأنَّ وجود التألُّم وكراهةَ النفس له لا ينافي الرِّضا، كرضا المريض شربَ (٥) الدواء الكريه، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحرِّ بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح، وغيرها.

وطريق الرِّضا طريق مختصرة، قريبة جدًّا، موصلة إلى أجلِّ غايةٍ، ولكن فيها مشقَّة. ومع هذا فليست مشقَّتها بأصعب من مشقَّة طريق المجاهدة، ولا


(١) في النسخ عدا ع: «قِدَم»، والمثبت من ع موافق للمصدر.
(٢) ذكره الطوسي في «اللمع» (ص ٥٣ - ٥٤)، وتمامه: «ويترك السخط». وذكره القشيري (ص ٤٥٧) بنحوه مختصرًا وسيأتي لفظه قريبًا.
(٣) ع: «وبين من هو راضٍ بما يناله».
(٤) «أن» ساقطة من ل، ج، ن.
(٥) جميع النسخ عدا الأصل، ل: «بشرب».

<<  <  ج: ص:  >  >>