للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتفرقةِ الدّليل؟

قيل: هذه هي البليّة التي لأجلها أعرض من أعرض من السّالكين عن العلم ونهى عنه، وجعله علّةً في الطّريق، ووقع هذا في زمان الشُّيوخ القدماء العارفين، فأنكروه غايةَ الإنكار، وتبرَّؤوا منه ومن قائله، وأوصَوا بالعلم، وأخبروا أنّ طريقَهم مقيّدةٌ بالعلم، لا يُفلِح فيها من لم يتقيَّدْ بالعلم (١). والجنيد - رحمه الله - كان من أشدِّ النّاس مبالغةً في الوصيّة بالعلم، وحثًّا لأصحابه عليه (٢).

والتّفرُّق في الدّليل خيرٌ من الجمعيّة على الوهم والخيال، فإنّه لا يعرف كون الجمعيّة حقًّا إلّا بالدّليل والعلم، فالدّليل والعلم ضروريّان للصّادق، لا يستغني عنهما.

نعم، يقينُه (٣) ونورُ بصيرته وكشفُه يُغنِيه عن كثيرٍ من الأدلّة التي يتكلّفها المتكلمون وأرباب القال، فإنّه مشغولٌ عنها بما هو أهمُّ منها، وهو الغاية المطلوبة.

مثاله: أنّ المتكلِّم يُفنِي زمانه في تقرير حدوث العالم وإثبات الصّانع، وذلك أمرٌ مفروغٌ منه عند السّالك الصّادق صاحب اليقين. فالّذي يطلبه هذا بالاستدلال ــ الذي هو عُرضة الشُّبَه والأسولة والإيرادات التي لا نهاية لها ــ هو كشفٌ ويقينٌ للسّالك، فتقيُّده في سلوكه بحال هذا المتكلِّم انقطاعٌ


(١) «لا يفلح ... بالعلم» ساقطة من ش، د.
(٢) انظر أقواله في «الرسالة القشيرية» (ص ١٥٥).
(٣) ل: «بينته».

<<  <  ج: ص:  >  >>