فإنَّ هذا لو كان لازمًا للزم رحمتَه وإرادتَه ومشيئتَه وسمعَه وبصرَه وعلمَه وسائرَ صفاته، فكيف جاء هذا اللُّزومُ لهذه الصِّفة دون الأخرى؟ وهل يجد ذو عقلٍ إلى الفرق سبيلًا؟ فما ثمَّ إلّا التّعطيلُ المحضُ المطلَق، أو الإثباتُ المطلَقُ لكلِّ ما ورد به النَّصُّ؛ والتّناقضُ لا يرضاه المحصِّلون.
فصل
قوله:(الثّاني: أن يقيمَ على عبده حجّةَ عدله، فيعاقبَه على ذنبه بحجَّته)(١).
اعترافُ العبد بقيام حجّة الله عليه من لوازم الإيمان، أطاع أم عصى؛ فإنَّ حجّةَ الله قامت على العبد بإرسال الرَّسول وإنزال الكتاب، وبلوغِ ذلك إليه، وتمكُّنِه من العلم به، سواءً علِمَ أو جهل. فكلُّ من تمكَّن من معرفة ما أُمِر به ونُهِي عنه، فقصَّر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجّة. والله سبحانه لا يعذِّب أحدًا إلّا بعد قيام الحجّة عليه، فإذا عاقَبه على ذنبه عاقَبه بحجَّتِه على ظلمه.
قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥].
وقال:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود: ١١٧]. وفي الآية قولان. أحدهما: ما كان لِيُهلكها بظلمٍ منهم. والثَّاني: ما كان