للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وهو إسقاط الأسباب الظّاهرة)، يحتمل أن يريد بها: الأسبابَ المشاهَدةَ التي تظهر لنا، وإسقاطُها هو أن لا يرى لها تأثيرًا البتّة ولا يتعلَّق بها وإن باشرها بحكم الارتباط العاديِّ، فمباشرتُها لا تنافي إسقاطها.

ويحتمل أن يريد بالأسباب الظّاهرة: الحركاتِ والأعمالَ، وإسقاطُها: عزلُها عن اقتضائها السّعادةَ والنَّجاةَ، لا إهمالُها وتعطيلُها فإنَّ ذلك كفرٌ وانسلاخٌ من الإسلام (١) بالكلِّيّة. ولكن يقومُ بها وقد عزَلَها عن ولاية النَّجاة والنَّجاح، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «اعملوا، واعلموا أنَّ أحدًا منكم لن يُنْجِيَه عملُه» (٢).

واحترَزَ بالأسباب الظّاهرة من الأسباب الباطنة كالإيمان، والتَّصديق، ومحبّة الله ورسوله؛ فإنَّ النَّجاةَ والسَّعادةَ معلَّقةٌ بها، بل التَّوحيدُ نفسُه من الأسباب، بل أعظمُ الأسباب الباطنة، فلا يجوز إسقاطه.

وعلى التّقديرين، فهو غير مخلِّصٍ. فإن أُريدَ بالإسقاط التّعطيلُ والإهمالُ، فمن أبطلِ الباطل. وإن أريد العزلُ عن ولاية الاقتضاء (٣)، وإسنادُ الحكم إلى مشيئة الرَّبِّ وحده؛ فلا فرقَ بين الأسباب الظّاهرة والباطنة. وإن أريد الأسبابُ التي لم يؤمر بها العبد، فليس إسقاطُها من التوحيد في شيءٍ، ولا القيامُ بها مبطلًا له ولا منقصًا!

وبالجملة: فليس إسقاطُ الأسباب من التّوحيد، بل القيامُ بها واعتبارُها وإنزالُها في منازلها التي أنزلها الله فيها هو محضُ التَّوحيد والعبوديّة.


(١) ت: «من الدين».
(٢) أخرجه البخاري (٥٦٧٣) ومسلم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) ت: «دلالة الاقتضاء».

<<  <  ج: ص:  >  >>