للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو أنّها رُدّتْ بصبرٍ وقوّةٍ ... تَحوّلن لذَّاتٍ وذو اللُّبِّ يُبصِرُ (١)

ويقال: إنّ أصعب الأحوال المنقطعة انقطاع الأنفاس، فإنّ أربابها إذا صَعِدَ النَّفَس صَعَّدوه إلى نحو محبوبهم، صاعدًا إليه، ملتبسًا (٢) بمحبّته والشّوقِ إليه. فإذا أرادوا دفْعَه لم يدفعوه حتّى يَتبَعَه نَفَسٌ آخر مثله. فكلُّ أنفاسهم بالله وإلى الله، ملتبسةٌ بمحبّته والشّوق إليه والأنس به، فلا يفوتُهم نَفَسٌ من أنفاسهم مع الله إلّا إذا غلبهم النّوم. وكثيرٌ منهم يرى في نومه أنّه كذلك لالتباس روحه وقلبه به، فتُحفَظ عليه أوقاتُ نومه ويقظته. ولا تَستنكْر هذه (٣) الحال، فإنّ المحبّة إذا غلبت من القلب وملكَتْه أوجبت ذلك لا مَحالة.

والمقصود أنّ الواردات والأوقات سريعة الزّوال، تمرُّ أسرعَ من السّحاب، وينقضي الوقت بما فيه، فلا يعود عليك منه إلّا أثرُه وحكمه. فاختَرْ لنفسك ما يعود عليك من وقتك، فإنّه عائدٌ عليك لا محالة. ولهذا يقال للسُّعداء: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: ٢٤]، وللأشقياء: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: ٧٥].

فصل

قال (٤): (الدّرجة الثّالثة: غيرة العارف على عينٍ غطّاها غَيْنٌ، وسرٍّ غشِيَه رَيْنٌ، ونفسٍ عَلِقَ برجاءٍ، أو التفتَ إلى عطاءٍ).


(١) لعل الأبيات للمؤلف.
(٢) ت: «متلبسا».
(٣) ت: «ولا يستنكر هذا».
(٤) «المنازل» (ص ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>