للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة «الشّوق».

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: ٥].

قيل: هذا تعزيةٌ للمشتاقين، وتسليةٌ لهم. أي أنا أعلم أنّ من كان يرجو لقائي فهو مشتاقٌ إليّ، فقد أجَّلتُ له أجلًا يكون عن قريبٍ، فإنّه آتٍ لا مَحالةَ، وكلُّ آتٍ قريبٌ.

وفيه لطيفةٌ أخرى، وهي تعلُّل المشتاقين برجاء اللِّقاء.

لولا التّعلُّل بالرّجاء تقطَّعتْ ... نفسُ المحبِّ صَبابةً وتشوُّقَا

ولقد يكاد يذوب منه قلبه ... ممّا يُقاسِي حَسرةً وتحرُّقَا

حتّى إذا رَوْحُ الرّجاء أصابه ... سكنَ الحريق إذا تعلَّل باللِّقا (١)

وقد قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: «أسألك لذَّةَ النّظرِ إلى وجهك، والشّوقَ إلى لقائك» (٢).

قال بعضهم (٣):النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان دائمَ الشّوق إلى لقاء الله، لم يسكُنْ شوقُه إلى لقائه قطُّ. ولكنّ الشّوق مائة جزءٍ، تسعةٌ وتسعون له، وجزءٌ مقسومٌ على


(١) لعل الأبيات للمؤلف. وله في «النونية» (البيت ٣٤٨٦):
لولا التعلل بالرجا لتصدَّعَتْ ... أعشارُه كتصدُّع البنيانِ
(٢) أخرجه أحمد (١٨٣٢٥)، والنسائي في «الكبرى» (١٢٢٩) من حديث عمار، وصححه ابن حبان (١٩٧١)، والحاكم (١/ ٥٢٤ - ٥٢٥).
(٣) هو أبو علي الدقّاق كما في «الرسالة القشيرية» (ص ٦٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>