للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وإذا لم يكن بدٌّ من المحاكمة إلى الذوق فهلُمَّ نحاكمك إلى ذوقٍ لا ننكره نحن ولا أنت، غير هذه الأذواق التي ذكرناها.

فالقلب تعرض له حالتان: حالة حزنٍ وأسفٍ على مفقودٍ، وحالةُ فرحٍ وطَرَبٍ بموجودٍ، وله بمقتضى هاتين الحالتين عبوديَّتان. فله بمقتضى الحالة الأولى: عبوديَّة الرِّضاء وهي للسابقين، والصَّبر وهي لأصحاب اليمين. وله بمقتضى الحالة الثانية عبودية الشُّكر، والشاكرون فيها أيضًا نوعان: سابقون، وأصحاب يمينٍ. فاقتطعَتْه النفس والشيطان عن هاتين العبوديَّتين بصوتين أحمقين فاجرين، هما للشيطان لا للرحمن: صوت النَّدب والنِّياحة عند الحزن وفوات المحبوب، وصوت اللهو والمزمار والغناء عند الفرح وحصول المطلوب، فعوَّضه الشيطان بهذين الصَّوتين عن تلك العبوديَّتين.

وقد أشار النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى بعينه في حديث أنسٍ - رضي الله عنه -: «إنَّما نُهِيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت ويلٍ عند مصيبةٍ، وصوت مزمارٍ عند نعمة» (١).


(١) أخرجه الترمذي (١٠٠٥) وابن أبي شيبة (١٢٢٥١) والبزار (١٠٠١) والحاكم (٤/ ٤٠) والبيهقي (٤/ ٦٩) من حديث ابن أبي ليلي عن عطاء عن جابر، وفي رواية الحاكم: عن جابر عن عبد الرحمن بن عوف. إسناده ضعيف من أجل ابن أبي ليلى، ثم إنه قد اضطَرب فيه كما في «العلل» للدارقطني (٢٨٨٧)، إلا أن الترمذي حسَّنه، ولعله لاعتضاده بحديث أنس مرفوعًا: «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنَّة عند مصيبة». أخرجه البزار (٧٥١٣) والضياء في «المختارة» (٦/ ١٨٨، ١٨٩) وغيرهما بإسناد فيه لين. وانظر: «الصحيحة» (٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>