للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْكِر، وهو مصرٌّ على غيره من الأشربة المُسْكِرة= فهذا في الحقيقة لم يتُبْ من الذّنب، وإنّما عدَل من نوعٍ منه إلى نوعٍ آخر. بخلاف من عدَل من معصيةٍ إلى معصيةٍ أخرى غيرها في الجنس، إمَّا لأنَّ وزرَها أخفُّ، وإمّا لغلبةِ دواعي الطَّبع إليها وقهرِ سلطان شهوتها له، وإمّا لأنَّ أسبابَها حاضرةٌ لديه عتيدةٌ، لا يحتاج إلى استدعائها بخلاف معصيةٍ يحتاج إلى استدعاء (١) أسبابها، وإمَّا لاستحواذ قُرنائه وخُلطائه عليه، فلا يدَعُونه يتوبُ منها، وله بينهم حُظوةٌ بها وجاهٌ، فلا تطاوعه نفسُه على إفساد جاهه بالتَّوبة، كما قال أبو نواسٍ لأبي العَتَاهِيَة وقد لامه على تهتُّكه في المعاصي:

أتراني يا عَتاهي ... تاركًا تلك الملاهي

أتراني مفسدًا بالنْـ ... نُسْكِ عند القوم جاهي (٢)

فمثلُ هذا إذا تاب من قتل النَّفس، وسرقَة (٣) أموال المعصومين، وأكل أموال اليتامى، ولم يتُب من شرب الخمر والفاحشة= صحَّت توبتُه فيما (٤) تاب منه ولم يؤاخَذ به، وبقي مؤاخَذًا بما هو مصرٌّ عليه. والله أعلم (٥).

فصل

ومن أحكام التّوبة: أنَّه هلُ يشترط في صحَّتها أن لا يعود إلى الذَّنب أبدًا،


(١) م، ش: "لاستدعاء".
(٢) من خمسة أبيات في "ديوان أبي نواس" (٥/ ٢٣٥ - النشرات الإسلامية).
(٣) ما عدا ج: "بسرقة".
(٤) في ع: "ممَّا".
(٥) في الأصل بإزاء هذا السطر: "بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه - رضي الله عنه - ".

<<  <  ج: ص:  >  >>