للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله (١): (الدرجة الثالثة: اتِّصال الوجود، وهذا الاتِّصال لا يُدرَك منه نعتٌ ولا مقدارٌ، إلَّا اسمٌ معارٌ، ولمحٌ إليه يُشار (٢)).

يقول: لما لم يُعهَد هذا النوع من الاتِّصال، وكان أعزَّ شيءٍ وأغربه على النُّفوس علمًا وحالًا= لم تَفِ العبارة بكشفه، فإنَّ اللفظ ظلوم (٣) والعبارة فتَّانة، إمَّا أن يزيغ (٤) إلى زيادةٍ مُفسدةٍ أو نقصٍ مخلٍّ، أو يَعدِل بالمعنى إلى غيره فيُظَنَّ أنَّه هو.

والذي تُمْكِن العبارةُ عنه مِن ذلك أنَّه: غلبة نور القرب، وتمكُّن المحبَّة، وقوَّة الأنس، وكمال المراقبة، واستيلاء الذِّكر القلبيِّ، فيذهب العبدُ عن إدراكه بحاله لِما قهره من هذه الأمور، فيبقى بوجودٍ آخر غير وجوده الطَّبعي (٥).

وما أظنُّك تصدِّق بهذا: أنَّه يُصيِّر له وجودًا (٦) آخر، وتقول: هذا خيالٌ ووهمٌ! فلا تعجل بإنكار ما لم تُحِط بعلمه، فضلًا عن ذوق حاله؛ وأعط القوس باريها، وخلِّ المطايا وحاديها. فلو أنصفت لعرفت أنَّ الوجود الحاصل لمعذَّبٍ مُضيَّقٍ عليه في أسوأ حالٍ وأضيقِ سجنٍ وأنكدِ عيشٍ إذا


(١) «المنازل» (ص ١٠٠).
(٢) ت، ر: «مُشار». وهو لفظ مطبوعة «المنازل» وشرحي التلمساني (ص ٥٤٩) والقاساني (ص ٥٥٧).
(٣) ر: «لملوم»، تصحيف.
(٤) أي: اللفظ.
(٥) ت، ر: «الطبيعي».
(٦) في المطبوع: «يصير له وجودٌ».

<<  <  ج: ص:  >  >>