للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يوجب القيامَ بالأوراد والوظائف وعدمَ الإخلال بها، وهم صنفان أيضًا: أحدهما: يوجبونه حفظًا للقانون، وضبطًا للنَّاموس. والآخرون: يوجبونه حفظًا للوارد، وخوفًا من تدرُّج النّفس بمفارقته إلى حالتها الأولى من البهيميّة.

فهذه نهايةُ أقدام المتكلِّمين على طريق السُّلوك، وغايةُ معارفهم بحكم العبادة وما شُرعت لأجله. ولا تكاد تجد في كتب القوم غيرَ هذه الطُّرق الثّلاثة، على سبيل الجمع، أو على سبيل البدل.

فصل

وأمّا الصِّنف الرّابع ــ وهم المحمَّديَّةُ الإبراهيميَّةُ أتباعُ الخليلين، العارفون بالله وحكمته في أمره وشرعه وخَلْقه، وأهلُ البصائر في عبادته ومراده بها ــ فالطّوائف الثّلاثة محجوبون عنهم بما عندهم من الشُّبه الباطلة والقواعد الفاسدة، ما عندهم وراء ذلك شيءٌ. قد فرحوا بما عندهم من المحال، وقنعوا بما ألِفوه من الخيال. ولو علموا أنَّ وراءه ما هو أجَلُّ منه وأعظَمُ لَما ارتضَوا بدونه، ولكن عقولهم قصَّرت عنه. ولم يهتدوا إليه بنور النُّبوّة، ولم يشعروا به، ليجتهدوا في طلبه. ورأوا أنَّ ما معهم خيرٌ من الجهل، ورأوا تناقض ما مع غيرهم وفساده. فتركَّب من هذه الأمور إيثارُ ما عندهم على ما سواه، وهذه بليّة الطّوائف، والمعافى من عافاه الله تعالى.

فاعلم أنّ سرَّ العبوديّة وغايتَها وحكمتَها إنّما يطَّلع عليه من عرَف صفاتِ الرَّبِّ تعالى ولم يعطِّلها، وعرف معنى الإلهيّة وحقيقتها ومعنى كونه إلهًا، بل هو الإله الحقُّ، وكلُّ إلهٍ سواه فباطلٌ، بل أبطل الباطل، وأنّ حقيقة الإلهيّة لا تنبغي إلّا له، وأنَّ العبادةَ موجَبُ إلهيّته وأثرُها ومقتضاها،

<<  <  ج: ص:  >  >>