للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرقةٌ أعرضوا عنها، وشَغَلوا نفوسَهم بالأعمال، ولم يجيبوا داعيَ تلك الصِّفات، مع تخليتهم إيّاها على مجراها، لكن لم يُمكِّنوا نهرَها من إفساد عُمرانهم، بل اشتغلوا بتحصين العُمران، وإحكامِ بنائه وأساسه، ورأوا أنّ ذلك النّهر لا بدَّ أن يصل إليه، فإذا وصل إلى بناءٍ محكمٍ لم يَهدِمْه، بل يأخذ عنه يمينًا وشمالًا. فهؤلاء صرفوا قوّة عزيمتهم وإرادتهم في العمارة وإحكامِ البناء، وأولئك صرفوها في قطع المادّة الفاسدة من أصلها، خوفًا على هدم البناء.

وسألت يومًا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه المسألة، وقطعِ الآفات والاشتغالِ بتنقية الطّريق وتنظيفها؟

فقال لي في (١) جملة كلامه: النّفس مثل الباطوس ــ وهو جُبُّ القَذَر ــ كلّما نَبشْتَه ظهر وخرج، ولكن إن أمكنك أن تَسْقُفَ عليه وتَعْبُره وتَجُوزَه فافعل، ولا تشتغلْ بنبشِه، فإنّك لن تصل إلى قراره، وكلّما نبشتَ شيئًا ظهر غيره.

فقلت: سألت عن هذه المسألة بعض الشُّيوخ، فقال لي: مثال آفات النّفس مثال الحيّات والعقارب التي في طريق المسافر، فإن أقبلَ على تفتيش الطّريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع، ولم يُمكِنه السّفرُ قطُّ. ولكن لِتكنْ (٢) همّتك المسير، والإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فإذا عرضَ لك (٣) فيها ما يَعُوقُك عن السير فاقتلْه، ثمّ امضِ على سيرك.


(١) د: «يومًا في».
(٢) ل: «تكن».
(٣) د: «ذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>