للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الصِّدِّيق - رضي الله عنه - أعظمَ الأمّة فراسةً. وبعده عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، ووقائع فراسته مشهورةٌ، فإنّه ما قال لشيءٍ «أظنُّه كذا» إلّا كان كما قال (١). ويكفي في فراسته موافقتُه ربّه في المواضع المعروفة (٢).

ومرّ به سَواد بن قاربٍ ولم يكن يعرفه، فقال: لقد أخطأ ظنِّي، أو أنّ هذا كاهنٌ، أو كان يعرف الكهانة في الجاهليّة. فلمّا جلس بين يديه قال له ذلك عمر. فقال: سبحان الله! يا أمير المؤمنين، ما استقبلتَ أحدًا من جلسائك بمثل ما استقبلتَني به. فقال له عمر - رضي الله عنه -: ما كنّا عليه في الجاهليّة أعظم من ذلك. ولكن أخبرني عمّا سألتُك. فقال: صدقتَ يا أمير المؤمنين، كنتُ كاهنًا في الجاهليّة. ثمّ ذكر القصّة (٣).

وكذلك عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - كان صادقَ الفراسة. قال أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -: دخلتُ على عثمان بن عفّان - رضي الله عنه -، وكنت رأيتُ في الطّريق امرأةً تأمّلتُ محاسنَها، فقال عثمان - رضي الله عنه -: يدخل عليّ أحدكم وأثر الزِّنا ظاهرٌ في عينيه. فقلت: أوحيٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا، ولكن تبصرةٌ وبرهانٌ وفراسةٌ صادقةٌ (٤).


(١) انظر: «الطرق الحكمية» (١/ ٧٣ - ٧٨).
(٢) نظمها السيوطي في قصيدة سماها «قطف الثمر في موافقات عمر»، مطبوعة ضمن «الحاوي للفتاوي» (٢/ ١١٣).
(٣) أخرجها ابن منده في «معرفة الصحابة» (٢/ ٨٠٣)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٣٥٦٦) من طريق أبي جعفر الباقر. وجمع الحافظ طرقها في «الإصابة» (٤/ ٥٢٩ - ٥٣١). وأصلها عند البخاري (٣٨٦٦) باختصار دون تسمية الرجل. قال البيهقي في «الدلائل» (٢/ ٢٤٨): يُشبه أن يكون هو سواد بن قارب.
(٤) أورده الغزالي في «الإحياء» (٣/ ٢٥)، وذكره المؤلف في «الطرق الحكمية» (١/ ٧٩). ولم أجده مسندًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>