والَّذين صحَّحوها احتجُّوا بأنَّه لمَّا صحَّ الإسلامُ ــ وهو توبةٌ من الكفر ــ مع البقاء على معصيةٍ لم يَتُبْ منها، فهكذا تصحُّ التَّوبةُ (١) من ذنبٍ مع بقائه على آخر.
وأجاب الآخرون عن هذا بأنّ الإسلام له شأنٌ ليس لغيره، لقوَّته ونفاذه، وحصوله تبعًا بإسلام الأبوين أو أحدهما للطِّفل، وكذلك بانقطاع نسب الطِّفل من أبيه أو بموت أحد أبويه في أحد القولين، وكذلك بكون سابيه ومالكه مسلمًا في أحد القولين أيضًا. وذلك لقوَّته وتشوُّف الشَّرع إليه حتّى حصل بغير القصد بل بالتّبعيّة.
واحتجَّ الآخرون بأنَّ التَّوبة هي الرُّجوع إلى الله تعالى من مخالفته إلى طاعته، وأيُّ رجوعٍ لمن تاب من ذنبٍ واحدٍ، وأصرَّ على ألف ذنبٍ؟
قالوا: والله سبحانه إنّما لم يؤاخذ التّائبَ لأنّه قد رجع إلى طاعته وعبوديّته وتاب توبةً نصوحًا. والمصرُّ على مثل ما تاب منه ــ أو أعظمَ ــ لم يراجع الطَّاعةَ ولم يتُب توبةً نصوحًا.
قالوا: ولأنَّ التَّائبَ إذا تاب إلى الله فقد زال عنه اسمُ العاصي، كالكافر إذا أسلم زال عنه اسمُ الكافر. فأمَّا إذا أصرَّ على غير الذَّنب الذي تاب منه فاسمُ المعصية لا يفارقه، فلا تصحُّ توبته.
وسرُّ المسألة: أنَّ التَّوبةَ هل تتبعَّضُ كالمعصية، فيكون تائبًا من وجهٍ دون وجهٍ، وكالإيمان والإسلام؟
والرّاجحُ تبعُّضُها، فإنَّها كما تتفاضل في كيفيَّتها هكذا تتفاضل في كمِّيَّتها.