للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

والمسألة في الأصل حرام، وإنَّما أبيحت للحاجة والضرورة، لأنَّها ظلم في حقِّ الربوبيَّة، وظلم في حقِّ المسؤول، وظلم في حقِّ السائل.

أمَّا الأوَّل: فلأنَّه بذَلَ سؤاله وفقره وذلَّه واستعطاءه لغير الله، وذلك نوع عبوديَّة. فوضع المسألة في غير موضعها وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيده وإخلاصه (١) وفقره إلى الله وتوكُّله عليه ورضاه بقَسْمه، واستغنى بسؤال الخلق عن مسألته (٢)، وذلك كلُّه هضم من التوحيد، ويطفئ نوره ويضعف قوَّته.

وأمَّا ظلمه للمسؤول: فلأنَّه سأله ما ليس له عنده، فأوجب له بسؤاله عليه حقًّا لم يكن عليه، وعرَّضه لمشقَّة البذل أو لؤم المنع، فإن أعطاه أعطاه على كراهةٍ، وإن منعه منعه على استحياء (٣). هذا إذا سأله ما ليس عليه. وأمَّا إذا سأله حقًّا هو له عنده، لم يدخل في ذلك ولم يظلمه بسؤاله.

وأمَّا ظلمه لنفسه: فإنَّه أراق ماء وجهه، وذلَّ لغير خالقه، وأنزل نفسه أدنى المنزلتين، ورضي لها بأبخس الحالتين، ورضي بإسقاط شرف نفسه وعزِّة تعفُّفِه وراحة قناعته، وباع صبرَه ورضاه وتوكُّله وقَنَعَه (٤) بما قسم له


(١) رسمه في الأصل: «أحلاه»، وغير محرر في ل، ومكانه بياض في ج، ن. والمثبت من ش، ع.
(٢) ع: «بسؤال الناس عن مسألة رب الناس».
(٣) زاد في ع: «وإغماض».
(٤) القَنَعُ: هي القناعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>