للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرويّة أيضًا، إذ يُرشِدهم ذلك إلى القبول منه وتلقِّي ما يأمرهم به وينهاهم عنه أحسنَ التّلقِّي. هذه طِباع النّاس.

فصل

قال (١): (الدّرجة الثّانية: تحسين خُلُقك مع الحقِّ. وتحسينُه منك: أن تَعلم أنّ كلّ ما يأتي منك يُوجِب عذرًا، وأنّ كلّ ما يأتي من الحقِّ يوجب شكرًا، وأن لا تَرى له من الوفاء بدًّا).

هذه الدّرجة مبنيّةٌ على قاعدتين.

إحداهما: أن تعلم أنّك ناقصٌ، وكلُّ ما يأتي من النّاقص ناقصٌ، فهو يوجب اعتذاره منه لا محالة. فعلى العبد أن يعتذر إلى ربِّه من كلِّ ما يأتي به من خيرٍ أو شرٍّ، أمّا الشّرُّ فظاهرٌ، وأمّا الخير فيعتذر من نقصانه، ولا يراه صالحًا لربِّه.

فهو مع إحسانه معتذرٌ في إحسانه، ولذلك مدح الله أولياءه بالوجَل منه مع إحسانهم بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠]، وقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هو الرّجل يصوم ويتصدّق، ويخاف أن لا يُقبلَ منه» (٢). فإذا خاف فهو بالاعتذار أولى.

والحامل له على هذا الاعتذار أمران:


(١) «المنازل» (ص ٤٦).
(٢) أخرجه أحمد (٢٥٧٠٥)، والترمذي (٣١٧٥)، وابن ماجه (٤١٩٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وصححه الحاكم (٢/ ٣٩٣، ٣٩٤)، إلا أن في إسناده انقطاعًا. وقد تقدَّم تخريجه مفصَّلًا (٢/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>