للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله يحلُّ بذاته في المخلوقات. وهم طائفتان: طائفةٌ تعُمُّ الموجوداتِ بحلوله فيها، وطائفةٌ تخصُّ به بعضَها دون بعضٍ.

قال الأشعريُّ في كتاب «المقالات» (١): «هذه حكايةُ قول قومٍ من النُّسّاك: وفي الأمّة قومٌ ينتحلون النُّسكَ، يزعمون أنّه جائزٌ على الله تعالى الحلولُ في الأجسام. وإذا رأوا شيئًا يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعلّه ربُّنا!».

قلت: وهذه الفرقة طائفتان. إحداهما: تزعم أنّه سبحانه يحلُّ في الصُّورة الجميلة المستحسنة. والثّانية: تزعم أنّه سبحانه يحلُّ في الكمَّل من النّاس، وهم الذين تجرَّدت نفوسهم عن الشّهوات، واتَّصفوا بالفضائل، وتنزَّهوا عن الرّذائل. والنَّصارى تزعم أنّه حلَّ في بدن المسيح وتدرَّع به. والاتِّحاديّة تزعم أنّه وجودٌ مطلقٌ اكتسته الماهيَّاتُ، فهو عينُ وجودها.

فكلُّ هؤلاء لم يُفردوا القديمَ عن المحدَث.

فصل

وهذا الإفراد الذي أشار إليه الجنيد نوعان:

أحدهما: إفرادٌ في الاعتقاد والخبر. وذلك نوعان أيضًا. أحدهما: إثباتُ مباينة الرَّبِّ تعالى للمخلوقات، وعلوِّه فوق عرشه من فوق سبع سماواتٍ (٢)، كما نطقت به الكتب الإلهيّة من أوّلها إلى آخرها، وأخبر به (٣) جميعُ الرُّسل من أوّلهم إلى آخرهم. والثّاني: إفرادُه سبحانه بصفات كماله،


(١) «مقالات الإسلاميين» (١/ ٢٨٨).
(٢) العبارة «وعلوِّه ... سماوات» شطبها بعضهم في ش.
(٣) ش: «وأخبرته». وفي ر: «وأخبرت به».

<<  <  ج: ص:  >  >>