للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الإرادة. قال الله تعالى: {(٥١) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢]. وقال: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ١٩ - ٢٠]. وقال: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٢٩].

وقد أشكل على المتكلِّمين تعلُّق الإرادة بالله تعالى، وكونُ وجهه تعالى مرادًا. وقالوا: الإرادة لا تتعلّق إلّا بالحادث، وأمّا بالقديم فلا؛ لأنّ القديم لا يراد. وأوّلوا الإرادة المتعلِّقة به بإرادة التّقرُّب إليه. ثمّ إنّه لا يُتصوّر عندهم التّقرُّب إليه، فأوّلوا ذلك بإرادة طاعته الموجبة لجزائه.

هذا حاصل ما عندهم. وحجابهم في هذا الباب غليظٌ كثيفٌ من أغلظ الحُجُب وأكثفِها، ولهذا تجدهم أهل قَسْوةٍ، ولا تجد عليهم روحَ السُّلوك ولا بهجةَ المحبّة.

والطّلب والإرادة عند أرباب السُّلوك: هي التّجرُّد عن الإرادة، فلا تصحُّ عندهم الإرادة إلّا لمن لا إرادةَ له. ولا تظنَّ هذا تناقضًا، بل هو محض الحقِّ. واتِّفاقُ كلمة القوم عليه.

وقد تنوّعت عبارات القوم عنها. وغالبهم يخبر عنها بأنّها ترك العادة (١).


(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>