للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالغنم (١) التي لا تسمع إلّا نعيقَ الرّاعي بها دعاءً ونداءً. ولم يسمعوه بالرُّوح الحقيقيِّ، الذي هو روح حاسّة السّمع التي هي (٢) حظُّ القلب. فلو سمعوه من هذه الجهة لحصلتْ لهم الحياة الطّيِّبة، التي منشؤها من السّماع المتّصلِ أثرُه بالقلب، ولزالَ عنهم الصَّمَم والبَكَم، ولأنقذوا نفوسَهم من السّعير بمفارقةِ مَن عَدِمَ السّمعَ والعقلَ.

فحصولُ (٣) السّمع الحقيقيِّ مبدأٌ لظهور آثار الحياة الطّيِّبة، التي هي أكملُ أنواعِ الحياة في هذا العالم، فإنّ بها يصلُح غذاء (٤) القلب ويعتدل، فيتمُّ قوّته وحياته، وسروره ونعيمه وبهجته. وإذا فَقدَ غذاءه الصّالح احتاج إلى (٥) أن يعتاض عنه بغذاءٍ خبيثٍ. وإذا فسدَ غذاؤه وخبُثَ نقصَ من حياته وقوّته وسروره ونعيمه بحسب ما فسد من غذائه، كالبدن إذا فسد غذاؤه.

فلمّا كان تعلُّق السّمع الظّاهر الحسِّيّ بالقلب أشدَّ، والمسافةُ بينهما أقربَ من المسافة بين البصر وبينه، ولذلك يُؤدَّى آثار ما يتعلّق بالسّمع الظّاهر إلى القلب أسرعَ ممّا يؤدَّى إليه آثار البصر الظّاهر، ولهذا ربّما غُشِيَ على الإنسان إذا سمع كلامًا يَسُرُّه أو يسوؤه، أو صوتًا لذيذًا طيِّبًا مُطرِبًا مناسبًا، ولا يكاد يحصل له ذلك من رؤية الأشياء المستحسنة بالبصر الظّاهر.


(١) ل: «كالأنعام».
(٢) د: «الذي هو».
(٣) ل: «فحضور».
(٤) ل: «هذا».
(٥) «إلى» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>