للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: ٤٤]. ولهذا نفى الله سبحانه عن الكفّار السّمعَ والبصر والعقول، إمّا لعدم انتفاعهم بها فنُزِّلت منزلةَ المعدوم، وإمّا لأنّ النّفي توجّه إلى أسماع قلوبهم وأبصارها وإدراكها. ولهذا يظهر لهم ذلك (١) عند انكشاف حقائق الأمور، كقول أهل السّعير: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ١٠].

ومنه في أحد التّأويلين (٢) قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: ١٩٨]. فإنّهم كانوا ينظرون إلى صورة النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالحواسِّ الظّاهرة، ولا يبصرون صورةَ نبوّته ومعناه بالحاسّة الباطنة، التي هي بصر القلب.

والقول الثّاني: أنّ الضّمير عائدٌ على الأصنام. ثمّ فيه قولان:

أحدهما: أنّه على التّشبيه، أي كأنّهم ينظرون إليك، ولا أبصارَ لهم يرونك بها.

والثّاني: أنَّ المراد به المقابلة. تقول العرب: داري تنظر دارك، أي تُقابِلها (٣).

وكذلك السّمع ثابتٌ لهم، وبه قامت الحجّة عليهم. ومنتفٍ عنهم، وهو سمع القلب. فإنّهم كانوا يسمعون القرآن من حيث السّمعُ الحسِّيُّ المشترك،


(١) «ذلك» ليست في ش، د.
(٢) انظر القولين في «تفسير الطبري» (١٠/ ٦٣٧، ٦٣٨)، و «تفسير البغوي» (٢/ ٢٢٣)، و «زاد المسير» (٣/ ٣٠٧).
(٣) انظر المصادر السابقة، و «الزاهر» لابن الأنباري (١/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>