للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاهدات، وتُخلِّص من رُعونةِ المعارضات، وتُفيد مطالعةَ البدايات).

هذه الدّرجة عنده أرفعُ ممّا قبلها. فإنّ ما قبلها مطالعة كشفٍ وأنوار (١) تشير إلى نوع كسبٍ واختيارٍ، وهذه مطالعةٌ تجذب القلب من التّفرُّق في أودية الإرادات وشِعابِ الأحوال والمقامات، إلى ما استولى عليه من عين الجمع، النّاظرة إلى الواحد الفرد الأوّل الذي ليس قبله شيءٌ، الآخر الذي ليس بعده شيءٌ، الظّاهر الذي ليس فوقه شيءٌ، الباطن الذي ليس دونه شيءٌ. فسبقَ كلَّ شيءٍ بأوّليّته، وبقي بعد كلِّ شيءٍ بآخريّته، وعلَا فوقَ كلِّ شيءٍ بظهوره، وأحاطَ بكلِّ شيءٍ ببطونه.

فالنّظرُ بهذه العين يُوقِظ قلبه لاستهانته بالمجاهدات. ومعنى ذلك أنّ السّالك في مبدأ أمره له شِرَّةٌ، وفي طلبه حِدّةٌ، تحمله على أنواع المجاهدات، وتَرميه عليها لشدّة طلبه. ففتورُه نائمٌ، واجتهاده يقظان.

فإذا وصل إلى هذه الدّرجة استهانَ بالمجاهدات الشّاقّة في جنب ما حصل له من مقام الجمع على الله، واستراحَ من كَدِّها. فإنّ ساعةً من ساعات الجمع على الله أنفعُ وأجدى من القيام بكثيرٍ من المجاهدات البدنيّة التي لم يفرضها الله عليه. فإن أجمعَ (٢) همّه وقلبه كلّه على الله، وزال عنه كلُّ مفرِّقٍ ومشتِّتٍ= كانت هذه هي ساعات عمره في الحقيقة، فتعوّض بها عمّا كان يُقاسِيه من كَدِّ المجاهدات وتَعَبِها.

وهذا موضعٌ غلِطَ فيه طائفتان من النّاس:


(١) ر: «كشف الأنوار».
(٢) ت، ر: «فإذا جمع».

<<  <  ج: ص:  >  >>