للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعذَر به المحبوس. وإذا بدا منهم في حقِّك تقصيرٌ أو إساءةٌ أو تفريطٌ فلا تُقابِلْهم به ولا تُخاصِمْهم، بل اغفِرْ لهم (١) ذلك واعذُرْهم، نظرًا إلى جريان الأحكام عليهم وأنّهم آلةٌ. وهاهنا ينفعك الفناء بشهود الحقيقة عن شهود جِنايتهم عليك، كما قال بعض العارفين لرجلٍ تعدّى عليه وظلمه: إن كنتَ ظالمًا فالّذي سلَّطَك عليَّ ليس بظالمٍ.

وهاهنا للعبد عشرة مشاهد (٢) فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه.

أحدها: المشهد الذي ذكره الشّيخ - رحمه الله -، وهو مشهد القَدَر، وأنّ ما جرى عليه بمشيئة الله وقضائه وقدره، يراه كالتّأذِّي بالحرِّ والبرد، والمرضِ والألم، وهبوبِ الرِّياح، وانقطاعِ الأمطار، فإنّ الكلّ أوجبتْه مشيئة الله، فما شاء الله كان ووجب وجوده، وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده. وإذا شهد هذا استراح، وعلِمَ أنّه كائنٌ لا مَحالةَ، فما للجَزَع منه وجهٌ، وهو كالجزع من الحرِّ والبرد والمرض والموت.

المشهد الثّاني: مشهد الصّبر، فيشهده ويشهد وجوبَه، وحسنَ عاقبته، وجزاء أهله، وما يترتَّب عليه من الغبطة والسُّرورِ وتخلُّصِه من ندامة المقابلة والانتقام، فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلّا أعقبَه ذلك ندامةً، وعلمَ أنّه إن لم يصبر اختيارًا على هذا ــ وهو محمودٌ ــ صبر اضطرارًا على أكثر منه وهو مذمومٌ.


(١) «لهم» ليست في ل.
(٢) كذا في النسخ، وقد ذكر المؤلف أحد عشر مشهدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>