للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن أقوى أسباب السُّكر الموجبة له: سماع الأصوات المطربة، لا سيَّما إن كانت من صورةٍ مستحسنةٍ، وصادفت محلًّا قابلًا، فلا تَسَلْ (١) عن سكرة السامع، وهذا السُّكر يحدث عندها من جهتين:

إحداهما في نفسها، أنها (٢) توجب لذَّةً قويَّةً ينغمر معها العقل.

الثانية: أنَّها تحرِّك النّفس إلى نحو محبوبها وجهته كائنًا ما كان؛ فيحصل بتلك الحركة والشوق والطلب، مع التخيُّل للمحبوب وإحضاره في النفس، وإدناء صورته إلى القلب، واستيلائها على الفكر= لذَّةٌ عظيمةٌ تقهر العقل، فتجتمع لذَّة الألحان ولذَّة الأشجان، فتُسكر الرُّوح سكرًا عجبًا (٣)، أطيب وألذَّ من سكر الشراب، وتحصل به نشوةٌ ألذُّ من نشوة الشراب.

ومن هاهنا استشهد الشيخ على السُّكر بقول موسى عليه السلام لمَّا سمع كلام الربِّ جلَّ جلالُه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣]. وقد ذكر الإمام أحمد (٤) وغيره: أنَّ الله سبحانه يقول يوم القيامة لداود: «مجِّدني


(١) ر: «تسأل».
(٢) «أنها» ساقطة من ت. وفي ر تقدَّمت قبل «في».
(٣) ت، ر: «عجيبًا».
(٤) في «الزهد» ــ كما في «حادي الأرواح» (١/ ٥٥٢) و «الدر المنثور» (١٢/ ٥٥٠)، وليس في القدر المطبوع منه ــ وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (٣٣٦) وأبو عوانة في «المستخرج» (٤٣٥٩) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (١٠/ ٣٢٤٠) والدِّينَوَري في «المجالسة» (٧٠٥) والبيهقي في «البعث والنشور» (٣٨٢) عن التابعي الزاهد مالك بن دينار بنحوه، فسَّر به قوله تعالى: {(٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>