للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ قال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، يعني إذا تَسَفَّهَ (١) عليك الجاهلُ فلا تُقابِلْه بالسَّفه، كقوله: {خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣]. وعلى هذا فليست بمنسوخةٍ، بل يُعرِض عنه مع إقامة حقِّ الله عليه، ولا ينتقم لنفسه.

وهكذا كان خُلقه - صلى الله عليه وسلم -. قال أنسٌ - رضي الله عنه -: «كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ النّاس خُلُقًا» (٢). وقال: «ما مَسِسْتُ ديباجًا ولا حريرًا ألينَ من كفِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شَمِمْتُ رائحةً قطُّ أطيبَ من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد خَدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، فما قال لي أفٍّ قطُّ، ولا قال لشيءٍ فعلتُه: لِمَ فعلتَه (٣)؟ ولا لشيءٍ لم أفعلْه: ألا فعلتَ كذا؟». متّفقٌ عليهما (٤).

وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ البرَّ هو (٥) حسنُ الخلق، ففي «صحيح مسلمٍ» (٦) عن النَّوّاس بن سَمْعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البرِّ والإثم؟ فقال: «البرُّ حسنُ الخلق، والإثمُ ما حاكَ في صدرك، وكرهتَ أن يطّلعَ عليه النّاسُ». فقابلَ البرَّ بالإثم، وأخبر أنّ البرّ حسنُ الخُلق، والإثم حَوَازُّ (٧)


(١) أي أظهر السفاهة وشنَّع.
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٠٣) ومسلم (٦٥٩، ٢١٥٠).
(٣) «لم فعلته» ليست في ش، د.
(٤) أخرج البخاري (٣٥٦١) ومسلم (٢٣٣٠) الجملتين الأوليين. أما قوله: «لقد خدمتُ ... » فأخرجه أحمد (١٣٠٣٤) وعبد الرزاق (١٧٩٤٦) بإسناد صحيح.
(٥) «هو» ليست في ل.
(٦) رقم (٢٥٥٣).
(٧) ش: «حزاز». د: «حزازة». والمثبت من ل. وهو جمع حازّ، وحوازُّ الصدور: الأمور التي تحزُّ فيها، أي تؤثّر كما يؤثِّر الحزُّ في الشيء، وهو ما يخطر فيها من أن تكون معاصي. ومنه حديث ابن مسعود: «الإثم حَوَازُّ القلوب». ويُروى: «حَوَّاز القلوب» أي يحوزها ويتملكها ويغلب عليها. ويُروى: «حَزَّاز القلوب»، وهو فعّال من الحزّ. انظر: «النهاية» (١/ ٣٧٧، ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>