للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيُحمَد إذا أظهر ما يجوز إظهارُه، ولا نقص عليه فيه، ولا ذمّ من الله ورسوله؛ ليكتم به حالَه وعملَه، كما إذا أظهر الغِنى وكتمَ الفاقَة (١)، وأظهر الصِّحّة وكتم المرض، وأظهر النِّعمة وكتم البليّة.

فهذا كلُّه من كنوز السِّتر (٢)، وله في القلب تأثيرٌ عجيبٌ يعرفه من ذاقه. وشكا رجلٌ إلى الأحنف بن قيسٍ شَكاةً فقال: يا ابن أخي لقد ذهب ضوء عيني (٣) من عشرين سنةً فما أخبرتُ به أحدًا (٤).

وأمّا الحال التي يُذمُّ فيها: فأنْ يُظهر ما لا يجوز إظهاره، ليسيء النّاسُ به الظّنَّ، فلا يعظِّمونه، كما يُذكر عن بعضهم: أنّه دخل الحمّام، ثمّ خرج وسرق ثياب رجلٍ، ومشى رويدًا حتّى أدركوه، فأخذوها منه وسبُّوه. فهذا حرامٌ لا يحلُّ تعاطيه، ويقبح أيضًا من المتبوع المقتدى به ذلك، بل وما (٥) هو دونه؛ لأنّه يغرُّ النّاسَ ويوقعهم في التّأسِّي بما يُظهره (٦).

فالملامتيَّة نوعان: ممدوحون أبرارٌ، ومذمومون جهّالٌ وإن كانوا في خفارة صدقهم.


(١) ر، ط: «الفقر والفاقة».
(٢) د، ت: «البر».
(٣) ر، ط: «بصري».
(٤) خبره في «الزهد» لأحمد (ص ٢٨٨) و «شعب الإيمان» (٩٥٨٣) و «صفة الصفوة»: (٣/ ٢٠٠). ومثله خبر الإمام إبراهيم الحربي ينظر «تاريخ بغداد»: (٦/ ٣١) و «معجم الأدباء»: (١/ ٤٢).
(٥) ت: «ومن».
(٦) ط زيادة: «من سوء».

<<  <  ج: ص:  >  >>