للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاختبار، كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: ٥٣]، وقوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: ١٦ - ١٧].

والمعنى: أنّ هذه الفتنة اختبارٌ منك لعبدك وامتحانٌ، تُضِلُّ بها من تشاء وتَهدي من تشاء. فأيُّ تعلُّقٍ لهذا بالانبساط؟ وهل هذا إلّا توحيدٌ، وشهودٌ للحكمة، وسؤالٌ للعصمة والمغفرة؟ وليس للعارف في هذه المنزلة حظٌّ مع الله، وإنّما هي متعلِّقةٌ بالخلق.

وصاحب «المنازل» جعلها ثلاث درجاتٍ: الأولى مع النّاس، والثّانية والثّالثة مع الله. وسنبيِّن ما في كلامه بحول الله وتوفيقه.

قال (١): (الانبساط: إرسال السَّجِيّة، والتّحاشي من وحشة الحِشْمة).

السّجيّة الطَّبع، وجمعها سجايا، يقال: سجيّةٌ وسليقةٌ وطبيعةٌ وغريزةٌ. وإرسالها: تركها ومجراها.

و (التّحاشي من وحشة الحشمة).

التّحاشي: هو تجنُّب الوحشة الواقعة بينك وبين من تحبُّه وتخدمه، فإنّ مرتبته تقتضي احتشامَه، والحياءَ منه، وإجلالَه عن انبساطك إليه. وذلك نوع وحشةٍ، فالانبساط: إزالة تلك الوحشة، لا تُسقِطك من عينه، بل تزيدك حبًّا إليه، ولا سيّما إذا وقع في موقعه.


(١) «المنازل» (ص ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>