للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّهود وقوّةِ الاستحضار وتمكُّنِ حكم (١) القلب واستيلائه على القوى صار كأنّه مرئيٌّ بالعين، مسموعٌ بالأذن، بحيث لا يشكُّ المُدرِك في ذلك ولا يرتاب البتّةَ، ولا يقبل عذلًا.

وحقيقة الأمر: أنّ ذلك كلّه شواهدُ وأمثلةٌ علميّةٌ تابعةٌ للمعتقد، فذلك الذي أدرك بعين القلب والرُّوح إنّما هو شاهدٌ دالٌّ على الحقيقة، وليس نفس الحقيقة (٢)، فإنّ شاهِدَ نورِ جلال الذّات في قلب العبد ليس هو نفس نور الذّات الذي لا تقوم له السّماوات والأرض، فإنّه لو ظهر لها لتدكدكتْ، وأصابَها ما أصاب الجبل. وكذلك شاهدُ نورِ العظمة في القلب، إنّما هو نور التّعظيم والإجلال، لا نور نفس المعظّم ذي (٣) الجلال والإكرام.

وليس مع القوم إلّا الشّواهد والأمثلة العلميّة، والرّقائق التي هي ثمرة قرب القلب، وأنسه به، واستغراقه في محبّته وذكره، واستيلاء سلطان معرفته عليه، والرّبُّ تبارك وتعالى وراء ذلك كلِّه، منزّهٌ مقدّسٌ عن اطِّلاع البشر على ذاته أو أنوارِ ذاته، أو صفاتِه أو أنوار صفاته، وإنّما هي الشّواهد التي تقوم بقلب العبد، كما يقوم بقلبه شاهدٌ من الآخرة والجنّة والنّار وما أعدّ الله لأهلها.

وهذا هو الذي وجده عبد الله بن حَرامٍ يومَ أحدٍ، لمّا قال: واهًا لريح (٤) الجنّة! إنِّي أجدُ ريحَها دون أُحُدٍ (٥). ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مررتم برياض


(١) «حكم» ليست في د.
(٢) «فذلك ... الحقيقة» ساقطة من ت.
(٣) ر: «ذو». ت: «حسن».
(٤) ر: «لروح».
(٥) قالها أنس بن النضر - رضي الله عنه -، كما أخرجه البخاري (٢٨٠٥)، ومسلم (١٩٠٣) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>