للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في مراتب الهداية الخاصّة والعامّة

وهي عشر مراتب:

المرتبة الأولى: مرتبة تكليم الله تعالى لعبده يقظةً بلا واسطةٍ، بل منه إليه. وهذه أعلى مراتبها، كما كلَّم موسى بن عمران صلوات الله وسلامه على نبيِّنا وعليه. قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤]. فذكر في أوّل الآية وحيه إلى نوحٍ والنّبيِّين من بعده، ثمّ خصَّ موسى من بينهم بالإخبار بأنّه كلَّمه. وهذا يدلُّ على أنَّ التّكليم الذي حصل له أخصُّ من مطلق الوحي الذي ذُكِر في أوّل الآية. ثمّ أكَّده بالمصدر الحقيقيِّ الذي هو مصدر كلَّمَ ــ وهو التّكليم ــ رفعًا لما توهَّمه المعطِّلة والجهميّة والمعتزلة وغيرهم من أنّه إلهامٌ أو إشارةٌ أو تعريفٌ للمعنى النَّفسيِّ بشيءٍ غير التّكليم، فأكَّده بالمصدر المفيد تحقيقَ النِّسبة ورفعَ توهُّم المجاز (١). قال الفرّاء: العرب تُسمِّي ما يُوصَل إلى الإنسان كلامًا بأيِّ طريقٍ وصل، ولكن لا تحقِّقه بالمصدر، فإذا حُقِّقَ بالمصدر لم يكن إلّا حقيقة الكلام، كالإرادة، يقال: فلانٌ أراد إرادةً، يريدون حقيقة الإرادة. ويقال: أراد الجدار، ولا يقال: إرادةً، لأنّه مجازٌ غير حقيقةٍ (٢). هذا كلامه.


(١) وانظر: "الصواعق المرسلة" (١/ ٣٨٩)، و"بدائع الفوائد" (٢/ ٥١٢). وانظر ما سيأتي في فصل درجات المعرفة (٤/ ٣٠٦).
(٢) نقله البغوي في "تفسيره" (٢/ ٣١٢) وعنه صدر المؤلف. وانظر: "تفسير السمعاني" (١/ ٥٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>