للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا خرج موسى عليه السلام هاربًا من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذَكَر الله، وهو وحيدٌ غريبٌ خائفٌ جائعٌ، فقال: يا ربِّ وحيدٌ مريضٌ غريبٌ، فقيل له: يا موسى الوحيد مَن ليس له مثلي أنيسٌ، والمريض مَن ليس له مثلي طبيبٌ، والغريب مَن ليس بيني وبينه معاملةٌ (١).

فالغربة ثلاثة أنواعٍ:

غربة أهل الله وأهل سنّة رسوله (٢) بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أهلَها، وأخبر عن الدِّين الذي جاء به: أنّه بدأ غريبًا، وأنّه سيعود غريبًا (٣)، وأنّ أهله يصيرون غرباء.

وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ، ووقتٍ دون وقتٍ، وبين قومٍ دون غيرهم (٤)، ولكنّ أهل هذه الغربة هم أهل الله حقًّا، فإنّهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا النّاسَ أحوجَ ما كانوا إليهم، فإذا انطلق النّاسُ يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم، فيقال لهم: ألا تنطلقون حيث انطلقَ النّاس؟ فيقولون: فارَقْنا النّاسَ ونحن أحوجُ منَّا إليهم اليوم، وإنّا ننتظر ربَّنا الذي كنَّا نعبده (٥).


(١) لم أعثر عليه.
(٢) في هامش ش، د «- صلى الله عليه وسلم -» دون علامة اللحق.
(٣) «وأنه سيعود غريبا» من ت، ر، وفي ط مع زيادة: «كما بدأ».
(٤) ر: «قوم غيرهم».
(٥) تقدم تخريجه وهو في «الصحيح».

<<  <  ج: ص:  >  >>