للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن أحكامها: أنَّ مَن توغَّل ذنبًا، وعزَم على التّوبة منه، ولا يمكنه التّوبةُ منه إلّا بارتكاب معصية (١)، كمن أولَجَ في فرجٍ حرامٍ، ثمّ عزَم على التَّوبة قبل النَّزع الذي هو جزءُ الوطء؛ وكمن توسَّط أرضًا مغصوبةً، ثمَّ عزم على التَّوبة، ولا يمكنه إلّا بالخروج الذي هو مشيٌ فيها وتصرُّفٌ، فكيف يتوبُ من الحرام بحرامٍ مثله؟ وهل تُعقَل (٢) التَّوبةُ من الحرام بالحرامٍ؟ (٣).

فهذا ممّا أشكل على بعض النَّاسِ، حتّى دعاه ذلك إلى أن قال بسقوط التَّكليف عنه في هذا الفعل الذي يتخلَّص به من الحرام. قال: لأنَّه لا يمكن أن يكون مأمورًا به وهو حرامٌ، وقد تعيَّن في حقِّه طريقًا للخلاص من الحرام، لا يمكن التّخلُّصُ بدونه، فلا حكمَ في هذا الفعل البتّة، وهو بمنزلة العفو الذي لا يدخل تحت التَّكليف.

وقالت طائفةٌ: بل هو حرامٌ واجبٌ، فهو ذو وجهين: مأمورٌ به من أحدهما، منهيٌّ عنه من الآخر. فيؤمر به من حيث تعيُّنه طريقًا للخلاص من الحرام، وهو من هذا الوجه واجبٌ؛ ويُنهى عنه من جهة كونه مباشرةً للحرام، وهو من هذا الوجه محرَّمٌ= فيستحقُّ عليه الثَّوابَ والعقابَ.

قالوا: ولا يمتنع كونُ الفعل في الشَّرع ذا وجهين مختلفين، كالاشتغال عن الحرام بالمباح، فإنَّ المباحَ إذا نظرنا إلى ذاته ــ مع قطع النّظر عن ترك


(١) ل، ج: "بعضه".
(٢) كذا في ج، وأهمل حرف المضارعة في غيرها.
(٣) انظر: "المسوَّدة في أصول الفقه" (ص ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>