للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجابًا وإن كثرت إشارتهم إليه.

وهذا السّماع القرآنيُّ سماع أهل المعرفة بالله والاستقامة، ويحصل للأذهان الصّافية منه معانٍ وإشاراتٌ ومعارفُ وعلومٌ، تتغذّى بها القلوب المشرقة بنور الأنس، فتجد بها لذّةً روحانيّةً يصل نعيمها إلى القلوب والأرواح، وربّما فاض حتّى وصل إلى الأجسام، فيجد من اللّذّة ما لم يعهد مثله من اللّذّات الحسِّيّة.

وللتّغذِّي بالسّماع سرٌّ لطيفٌ، نذكره للُطفِ موقعه. وهو الذي أوقع كثيرًا من السّالكين في إيثار سماع الأبيات، لما رأى فيه من غذاء القلب وقوته ونعيمه، فلو جئتَه بألف آيةٍ وألف خبرٍ لما أعارك شطرًا من إصغائه، وكان ذلك عنده أعظمَ من الظّواهر التي يعارض بها الفلاسفة وأرباب الكلام.

اعلم أنّ الله جعل للقلوب نوعين من الغذاء:

نوعًا من الطّعام والشّراب الحسِّيِّ، وللقلب منه خلاصتُه وصَفْوه، ولكلِّ عضوٍ منه بحسب استعداده وقبوله.

والثّاني: غذاءٌ روحانيٌّ معنويٌّ، خارجٌ عن الطّعام والشّراب: من السُّرور والفرح، والابتهاج واللّذّة، والعلوم والمعارف. وبهذا الغذاء كان سماويًّا عُلْويًّا، وبالغذاء المشترك كان أرضيًّا، وقِوامُه بهذين الغذاءين.

وله ارتباطٌ بكلِّ واحدةٍ من الحواسِّ الخمس، وغذاءٌ يصل إليه منها. فله ارتباطٌ بحاسّة اللّمس، ويصل إليه منها غذاءٌ. وكذلك بحاسّة الشّمِّ. وكذلك حاسّة الذّوق. وكذلك ارتباطُه بحاسّتَي (١) السّمع والبصر أشدُّ من ارتباطه


(١) ل: «بحاسة».

<<  <  ج: ص:  >  >>