قوله:(بصدق شهادةٍ صحَّحها قبولُ القلب)، أي سلِموا من الشُّبهة والحيَرة والرِّيبة، بصدق شهادةٍ تواطأ عليها القلبُ واللِّسانُ، فصحَّت شهادتُهم بقبولِ قلوبهم لها، واعتقادِهم صحّتَها، والجَزمِ بها، بخلاف شهادة المنافق التي لم يقبلها قلبُه، ولم يواطئ عليها لسانُه.
قوله:(وهذا توحيد العامّة الذي يصحُّ بالشّواهد). قد عرفتَ أنَّ هذا هو التَّوحيدُ الذي دعت إليه الرُّسلُ، ونزلت به الكتبُ، واتّفقت عليه الشّرائعُ. ثمَّ بيَّن مراده بالشّواهد أنّها الرِّسالة والصَّنائع. والشَّواهد هي (١) الأدلّة الدَّالَّة على التَّوحيد، والرِّسالةُ أرشدت إليها وعرَّفت بها. ومقصوده: أنّ الشّواهد نوعان: آياتٌ متلوّةٌ وهي الرِّسالة، وآياتٌ مرئيّةٌ وهي الصَّنائع.
قوله:(يجب بالسَّمع، ويوجد بتبصير الحقِّ، وينمو على مشاهدة الشَّواهد). هذه ثلاث مسائل، إحداها: ما يجب به، والثّانية: ما يوجد به، والثّالثة: ما ينمو به.
فأمّا المسألة الأولى، فاختلف فيها النّاس. فقالت طائفةٌ: يجب بالعقل، ويعاقَب على تركه، والسَّمعُ مقرِّرٌ لما وجب بالعقل مؤكِّدٌ له. فجعلوا وجوبَه والعقابَ على تركه ثابتين بالعقل، والسَّمعُ مبيِّنٌ ومقرِّرٌ للوجوب وللعقاب. وهذا قول المعتزلة ومن وافقهم من أتباع الأئمّة في مسألة التّحسين والتّقبيح العقليَّين.