للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحدهما: غلَتْ فيه حتّى قدَّمتْه على الفرائض والسُّنن، ورأت نزولها عنه إلى القيام بالأوامر انحطاطًا من الأعلى إلى الأدنى. حتّى قيل لبعض من ذاق ذلك: قُمْ إلى الصّلاة، فقال (١):

يُطالَب بالأورادِ من كان غافلًا ... فكيف بقلبٍ كلُّ أوقاتِه وِرْدُ

وقال آخر: لا تُسيِّبْ واردَك لوِردِك.

وهؤلاء بين كافرٍ وناقصٍ: فمن لم يرَ القيامَ بالفرائض إذا حصلت له الجمعيّةُ فهو كافرٌ منسلخٌ من الدِّين. ومن عطّل لها ما مصلحتُه راجحةٌ ــ كالسُّنن الرّواتب، والعلم النّافع، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والنّفع العظيم المتعدِّي ــ فهو ناقصٌ.

والطّائفة الثّانية: لا تَعْبأ بالجمعيّة، ولا تعمل عليها. ولعلّها لا تدري ما مسمّاها وحقيقتها.

وطريقة الأقوياء أهلِ الاستقامة: القيام بالجمعيّة في التّفرقة ما أمكن. فيقوم بالعبادات ونفع الخلق والإحسان إليهم، مع جمعيّته على الله. فإن ضعُفَ عن اجتماع الأمرين وضاق عن ذلك قام بالفرائض، ونزل عن الجمعيّة، ولم يلتفتْ إليها، إذا كان لا يقدر على تحصيلها إلّا بتعطيل الفرض. فإنّ ربّه سبحانه يريد منه أداء فرائضه، ونفسُه تريد الجمعيّة، لما فيها من الرّاحة واللّذّة، والتّخلُّص من ألم التّفرقة وشَعَثِها (٢). فالفرائض حقُّ ربِّه، والجمعيّة حظُّه هو. فالعبوديّة الصّحيحة تُوجِب عليه تقديمَ أحد الأمرين


(١) تقدم البيت (١/ ١٣٣، ٣٨٠)، ولم يُنسَب لقائل.
(٢) ر، ت: «شعبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>