[المدثر: ٢٤]. وإنّما عنَوا القرآنَ المسموعَ الذي بُلِّغوه وأُنذِروا به. فمن قال: إنّ الله لم يتكلَّم به، فقد ضاهى قولُه قولَهم، تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوًّا كبيرًا.
فصل
في بيان تضمُّنها للرّدِّ على من قال بقِدَم العالم
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: إثبات حمده. فإنّه يقتضي ثبوت أفعاله لاسيَّما وعامَّةُ موارد الحمد في القرآن أو كلُّها إنّما هي على الأفعال. وكذلك هو هاهنا، فإنّه حمِد نفسَه على ربوبيّته المتضمِّنة لأفعاله الاختياريّة. ومن المستحيل مقارنة الفعل لفاعله. هذا ممتنعٌ في كلِّ عقلٍ سليمٍ وفطرةٍ مستقيمةٍ، فالفعل متأخِّرٌ عن فاعله بالضَّرورة. وأيضًا فإنّه متعلَّق الإرادة والتّأثير والقدرة، ولا يكون متعلَّقها قديمًا البتّة.
الثّاني: إثباتُ ربوبيّته للعالمين. وتقريره ما ذكرنا (١). والعالَمُ كلُّ ما سواه، فثبت أنَّ كلَّ ما سواه مربوبٌ، والمربوبُ مخلوقٌ بالضّرورة، وكلُّ مخلوقٍ حادثٌ بعد أن لم يكن. فإذن ربوبيّتُه تعالى لكلِّ ما سواه تستلزم تقدُّمَه عليه، وحدوثَ المربوب. ولا يتصوَّر أن يكون العالم قديمًا وهو مربوبٌ أبدًا، فإنَّ القديمَ مستغنٍ بأزليّته عن فاعلٍ له. وكلُّ مربوبٍ فهو فقيرٌ بالذّات، فلا شيء من المربوب بغنيٍّ ولا قديم.
الثّالث: إثبات توحيده. فإنّه يقتضي عدم مشاركة شيءٍ من العالم له في