للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف، فمَن وازِعُه الخوف: قلبه حاضرٌ مع العقوبة، ومَن وازعه الحياء: قلبه حاضرٌ مع الله. والخائف مراعٍ جانبَ نفسه وحمايتها، والمستحيي مراعٍ جانب ربِّه وملاحظة عظمته.

وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان، غير أنَّ الحياء أقرب إلى مقام الإحسان وألصق به، فإنه إذا نزَّل نفسه منزلة من كأنَّه يرى الله نبعت ينابيع الحياء من عين قلبه وتفجَّرت عيونها.

قال (١): (الدرجة الثانية: الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دوامًا، وبرعايتها إخلاصًا، وبتحسينها علمًا).

هذا يدلُّ على أنَّ عنده: أنَّ فعل الطاعة آكد من ترك المعصية، فيكون الصبر عليها فوق الصبر على ترك المعصية في الدرجة. وهذا هو الصواب كما تقدَّم، فإنَّ ترك المعصية إنَّما كان لتكميل الطاعة، والنهي مقصودٌ للأمر، فالمنهيُّ عنه لمَّا كان يُضعف المأمور به ويَنقصه ويُهجِّنه= نهى عنه حمايةً وصيانةً لجانب الأمر، فجانب الأمر أقوى وآكد. وهو بمنزلة الصحَّة والحياة، والنهي بمنزلة الحِمْية التي تراد لحفظ الصِّحّة وأسباب الحياة.

وذكر الشيخ أنَّ الصَّبر في هذه الدرجة بثلاثة أشياء: دوام (٢) الطاعة، والإخلاص فيها، ووقوعها على مقتضى العلم وهو (تحسينها علمًا).


(١) «المنازل» (ص ٣٨). وزِيد في ج، ن قبله «فصل».
(٢) ع: «بدوام».

<<  <  ج: ص:  >  >>