العابد هو العامل بمقتضى العلم النّافع للعمل الصّالح، فغيرتُه على ما ضاع عليه من عملٍ صالحٍ، فهو يَستردُّ ضياعَه بأمثاله، ويَجبُر ما فاتَه من الأوراد والنّوافل وأنواعِ التقرُّب بفعلِ أمثالها من جنسها وغير جنسها، فيقضي ما ينفع فيه القضاء، ويُعوِّض ما يقبل العوض، ويَجبُر ما يمكن جَبْرُه.
وقوله:«ويستدرك فواته»، الفرق بين استرداد ضائعه واستدراك فائته: أنّ الأوّل يمكن أن يستردّ بعينه، كما إذا فاته الحجُّ في عامٍ تمكَّن منه، فأضاعَه في ذلك العام، استدركه في العام المقبل. وكذلك إذا أخَّر الزّكاة عن وقت وجوبها استدركه بعد تأخيرها، ونحو ذلك. وأمّا الفائت فإنّما يُستدرَك بنظيره، كقضاء الواجب الموقَّت إذا فات وقته.
أو يكون مراده باسترداد الضّائع واستدراك الفائت نوعَيِ التّفريط في الأمر والنّهي، فيستردُّ ضائعَ هذا بقضائه وفعلِ أمثاله، ويستدرك فائتَ هذا ــ أي سالفه ــ بالتّوبة والنّدم.
وأمّا تدارك قُواه فهو أن يتدارك قوَّتَه ببذلها في الطّاعة قبلَ أن تتبدّلَ بالضّعف، فهو يَغار عليها أن تذهب في غير طاعة الله، أو يتداركَ قوى العمل الذي لحقه الفتور، بأن يكسُوَه قوّةً ونشاطًا غيرةً له وعليه.
فهذه غيرة العُبَّاد.
فصل
(الدّرجة الثّانية: غيرة المريد. وهي غيرةٌ على وقتٍ فات، وهي غيرةٌ قاتلةٌ. فإنّ الوقت وَحِيُّ التّقضِّي، أَبِيُّ الجانب، بَطِيُّ الرُّجوع)(١).