للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق: يأكلون كما يأكلون، ويشربون كما يشربون، ويسكنون حيث يسكنون، ويمشون معهم في الأسواق، ويعانون معهم الأسباب؛ وهم في وادٍ والناس في وادٍ، فمشاركتهم إيَّاهم في ذلك هي التي سترتهم عن معرفتهم وإدراك حقائقهم، فهم تحت ستور المشاركة.

ووراء هاتيك السُّتور محجَّبٌ ... بالحسن كلُّ العزِّ تحت لوائه

لو أبصرت عيناك بعضَ جماله ... لبذلتَ منك الرُّوحَ في إرضائه

ما طابت الدُّنيا بغير حديثه ... كلَّا ولا الأخرى بدون لقائه

يا خاسرًا هانت عليه نفسه ... إذ باعها بالغبن من أعدائه

لو كنت تعلم قدر ما قد بعتَه ... لفسختَ ذاك البيع قبل وفائه

أو كنت كفؤًا للرشاد وللهدى ... أبصرت لكن لستَ من أكْفائه (١)

قوله (٢): (وفرقةٌ قبضهم منهم إليه، فصافاهم مصافاةَ سرٍّ، فضنَّ بهم عليهم).

هذه الفرقة إنَّما كانت أعلى من الفريقين المتقدِّمين لأنَّ الحقَّ سبحانه قد سترهم عن نفوسهم، لكمال ما أطلعهم عليه، وشَغْلِهم به عنهم. فهم في أعلى الأحوال والمقامات، ولا التفات لهم إليها، فهؤلاء قلوبهم معه سبحانه لا مع سواه، فلم يكونوا مع (٣) السِّوى ولا السِّوى منهم، بل هم مع السِّوى بالمجاورة والامتحان، لا بالمساكنة والألفة؛ قلوبٌ عامرةٌ بالأسرار، وأرواحٌ


(١) لعل الأبيات للمؤلف.
(٢) «المنازل» (ص ٩٦).
(٣) ت: «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>