للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستر الله سبحانه حقائقهم وأحوالهم عن رؤية الخلق لها. فحالهم ملتبسٌ على الناس لا يعرفونه (١)، فإذا رأوا منهم ما يرون من أبناء الدُّنيا من الأكل والشُّرب، واللِّباس والنِّكاح، وطلاقة الوجه وحسن العشرة= قالوا: هؤلاء من أبناء الدُّنيا. وإذا رأوا ذلك الجدَّ والهمم، والصبر والصِّدق، وحلاوة المعرفة والإيمان والذِّكر، وشاهدوا أمورًا ليست من دأب (٢) أبناء الدُّنيا= قالوا: هؤلاء أبناء الآخرة، فالتبس حالهم عليهم، فهم مستورون عن الناس بأسبابهم وصنائعهم ولباسهم، لم يجعلوا لطلبهم وإرادتهم إشارةً تشير إليهم: اعرفوني، فهؤلاء هم الصادقون، وهؤلاء يكونون مع الناس، والمحجوبون لا يعرفونهم، ولا يرفعون بهم رأسًا، وهم من سادات أولياء الله، صانهم الله عن معرفة الناس لهم كرامةً لهم، لئلَّا يفتتنوا بهم، وإهانةً للجهَّال بهم فلا ينتفعون بهم.

وهذه الفرقة بينها وبين الأولى من الفضل ما لا يعلمه إلّا الله، فهم بين الناس بأبدانهم، وبين الرفيق الأعلى بقلوبهم، فإذا فارقوا هذا العالم انتقلت أرواحهم إلى تلك الحضرة، فإنَّ روح كلِّ عبدٍ تنتقل بعد مفارقة البدن إلى حضرة من كان يألفهم ويحبُّهم (٣)، فإنَّ المرء مع من أحبَّ.

قوله: (وأسبل عليهم أكلَّة (٤) الرُّسوم)، أي: أجرى عليهم أحكام


(١) د: «يعرفونهم».
(٢) «دأب» من ت.
(٣) ت: «ما كان يألفه ويحبه».
(٤) ت: «أدلة»، تصحيف. والأكلة جمع «الكِلَّة» بكسر الكاف، وهو ستر رقيق يخاط شبه البيت، يُتوقَّى فيه من البعوض ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>