للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفصيل وتمييز. وقد تقدَّم في أوَّل الكتاب (١) ذكرُ طرق الخلق في هذا الموضع، وبيَّنَّا طريقة أهل الاستقامة. فالنَّاس (٢) أربعة أقسامٍ:

أحدهم: من لا يريد ربَّه ولا يريد ثوابَه، فهؤلاء أعداؤه حقًّا، وهم أهل العذاب الدائم. وعدم إرادتهم لثوابه إمَّا لعدم تصديقهم به، وإمَّا لإيثار العاجل عليه ولو كان فيه سخطه.

والقسم الثاني: من يريده ويريد ثوابه، وهؤلاء خواصُّ خلقه. قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٢٩]، فهذا خطابه لخير نساء العالم أزواجِ نبيِّه.

وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: ١٩]، فأخبر أنَّ السعي المشكور سعيُ من أراد الآخرة.

وأصرح من هذا قوله لخواصِّ أوليائه ــ وهم أصحاب نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ــ في يوم أحدٍ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، فقسمهم إلى هذين القسمين اللَّذين لا ثالث لهما. وقد غلط من قال: فأين من يريد الله؟ فإنَّ إرادة الآخرة عبارةٌ عن إرادة الله وثوابه، فإرادةُ الثواب لا تنافي إرادة الله.

والقسم الثالث: من يريد من الله، ولا يريد الله. فهذا ناقصٌ غاية النَّقص.


(١) (١/ ١٣٩ - ١٤٨).
(٢) في ع زيادة: «في هذا المقام».

<<  <  ج: ص:  >  >>