للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء أجلُّ منه ولا أكمل ولا أجمل= قرَّةٌ البتَّة؟

وهذا واللهِ هو العَلَم الذي شمَّر إليه المحبُّون، واللِّواء الذي أمَّه العارفون، وهو رُوح مسمَّى الجنَّة وحياتُها، وبه طابت الجنَّة وعليه قامت؛ فكيف يقال: لا يُعبَد الله طلبًا لجنَّته ولا خوفًا من ناره؟!

وكذلك النار، فإنَّ ما (١) لأربابها من عذاب الحجاب عن الله، وإهانته، وغضبه وسخطه، والبُعدِ عنه= أعظمُ من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم، بل التهابُ هذه النار في قلوبهم هو الذي أوجب التهابَها في أبدانهم، ومنها سرت إليها.

فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصّالحين هو الجنَّة، وهَرَبُهم (٢) من النار. والله المستعان، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوَّة إلّا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ومقصد القوم: أنَّ العبد يعبد ربَّه بحقِّ العبوديَّة. والعبدُ إذا طلب من سيِّده أجرةً على خدمته له كان أحمقَ، ساقطًا من عين سيِّده إن لم يستوجب عقوبته، إذ عبوديَّتُه تقتضي خدمته له، وإنَّما يخدم بالأجرة من لا عبوديَّة للمخدوم عليه: إمَّا أن يكون حرًّا في نفسه، أو عبدًا لغيره. وأمَّا مَن الخلقُ عبيدُه حقًّا، وملكه على الحقيقة، ليس فيهم حرٌّ ولا عبد لغيره= فخدمتهم له بحقِّ العبوديَّة، فاقتضاؤهم للأجرة خروجٌ عن محض العبوديَّة.

وهذا لا يُنكَر على الإطلاق، ولا يُقبَل على الإطلاق. وهو موضع


(١) «ما» ساقطة من ع.
(٢) ع: «مَهْربهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>